تحدثت كتب التاريخ، وروى الجيران والباحثون، وذكر الرحّالة، أن الأمير سليم الأطرش، حاكم دولة جبل الدروز في بداية عهد الانتداب، وأحد وجهاء الطائفة الدرزية في سوريا والمنطقة، أنعم الله عليه، بوافر الخيرات، وبعظيم الغلال والأثمار، وكان صاحب أملاك ومواش وعقارات، فلم يستغلها لنفسه، وإنما جاد وسخا بها، وفتح بيته أمام الضيوف، وعابري السبيل، وكافة الذين كانت تنقصهم اللقمة، والذين حكم عليهم الدهر، وأوصلهم إلى وضع صعب، فتح بيته أمام كل هؤلاء، وكان، كما قيل، يذبح كل يوم عددا من رؤوس البقر، ويغمر البيت بالمناسف، ويطعم لا أقل من ثلاثمائة إلى أربعمائة شخص كل يوم. وكان كل جائع في المنطقة، يعرف أن بيت الشيخ سليم مفتوح، وفيه سد الرمق، وفيه ما يحفظ كرامة الإنسان. فقد كان هذا الوجيه، يفعل كل ذلك لوجه الله، حيث كان زعيما، منحدرا من بيت زعامة، ولم يتخذ هذا الأمر كوسيلة للوصول إلى الزعامة، وإنما اعتبره واجبا من واجباته.
وعلى هذا المنوال، وبهذا الأسلوب، ولكن ليس بهذه المبالغة، وليس بهذه القدرة، نشأت وتطورت الطائفة الدرزية منذ القدم، تفتح بيوتها للغرباء، وتضع كل إمكانياتها أمام الضيوف، وتحرم نفسها وأبناءها أحيانا، من أشياء لتقدمها إلى عابري السبيل. هكذا نذكر قصة سيدنا ومولانا ونبينا، شعيب عليه السلام، الذي التجأ إليه النبي موسى عليه السلام، فرحّب به، وألحقه بأهل بيته، وربّاه ورعاه. هكذا فعل في حينه مع العديد من أمثاله، لكن الله يسّر له النبي موسى (ع)، ليشهر كرمه وكرامته.
هكذا فكّر مولانا الحاكم بأمر الله، وتصرّف. فكان في يوم عيد النحر (الأضحى) وباقي الأعياد، كان يفرش السماط في شوارع القاهرة، ويضع فوقها كل ما لذ وطاب، لإطعام الجميع والاحتفال بالأعياد. وليس صدفة، أنه بنى جامع الحاكم بهذا الاتساع، لكي يستوعب أكبر عدد ممكن من المصلين والزائرين، معتبرا في ذلك رسالة وإشارة إلى أبناء الطائفة، أن افتحوا بيوتكم، وافتحوا قلوبكم، وكونوا خيّرين، كرماء، سخاة، يفتح الله عليكم كل أبواب الرزق، وييسر لكم ما تعسّر على غيركم، طالما أنتم تشاركون غيركم بهذه النعم والخيرات.
ولا حاجة، أن نذكر ونتباهى، بمئات وآلاف الحوادث على مر التاريخ، لمواقف كرم وسخاء، أكثر من حاتمية امتاز بها أبناء الطائفة الدرزية على المستوى الفردي أو العائلي. أو الجماعي. إن إحدى الخصال الحميدة في أبناء الطائفة الدرزية، والتي ما زالت متأصلة فينا، هي السباق إلى الخير والمعروف. وعندما أُطلق هذا اللقب على بني معروف أيام الصليبيين أطلق من قبل أناس كانوا حاقدين على أبناء الطائفة الدرزية في حينه. فقد ظهرت في زمن الدعوة،بدعة نشتكين الدرزي، الذي أباح كل شيء، وأوجد دينا لا قيود فيه، فلحقه البعض، واستنكره الكثيرون. وبما أن نشتكين الدَّرزي كان من دعاة مذهب التوحيد في بدايته، وانقلب على الدعوة، فقُتل من قِبل أصحاب الدعوة الحقيقيين، فعندما غاب مولانا الحاكم وتوقفت الدعوة، وتقبّلها سكان بلاد الشام، أطلق على الموحدين اسم الدروز خطأ، كلفظ مقت ونكرة، وانزوى الموحدون في معاقلهم، ولم يشرحوا، ولم يفسّروا، ولصق بهم اسم الدروز، مع كل ما كان يحمله من معان سيئة. وبعد مائة سنة تقريبا،جاءت الحروب الصليبية، فهبّ الدروز كعادتهم، للدفاع واستماتوا في القتال، وتعاونوا مع جيرانهم في جهد الحرب الكبير. وعندها اكتشف الجيران حقيقتهم، وأصولهم، ومزاياهم، والفضائل الكبرى التي يتحلون بها، أطلقوا عليهم لقب "بني معروف". إذن، هذا اللقب أطلق على الدروز في أصعب الفترات، وقد أثبتوا أنهم أبناء البِر والجود والمعروف، خلال تسعة قرون بعد ذلك. وما زالوا في هذا المضمار، وفي هذا الموقف، حتى أيامنا. فعندما يتطلب من الدروز استقبال، أو تضييف، أو قبول أي زائر أو إنسان، يتجنّد الجميع، لبذل الغالي والرخيص، من أجل راحة الضيوف والزائرين. وليس صدفة، أن الجنرال ديغول، رئيس الجمهورية الفرنسية فيما بعد، كان قائدا عسكريا عندما كان شابا، وعاش فترة في المنطقة، وتعرف على الدروز قائلا:" إن بيوتهم هي فنادق مجانية"
وقد برز الكرم والسخاء وحسن الاستقبال في الزيارات الدينية التي قام بها ونظّمها المشايخ الدروز في الأماكن المقدسة، وفي التجمعات الأخرى. وأول الزيارات التي نعلم بها في العصر الحديث، هي الزيارة التي نظمها فضيلة الشيخ مهنا طريف، الرئيس الروحي للطائفة الدرزية في فلسطين، في أواخر القرن التاسع عشر، والذي سعى إلى ترميم مقام النبي شعيب عليه السلام في حطين، وعين الخامس والعشرين من نيسان، ليكون يوم تدشين المقام وافتتاحه لزيارة المؤمنين، وأبناء الطائفة، على مدار السنة للمقام الشريف. فدرجت هذه الزيارة، كحدث تاريخي، يتكرر كل سنة. وفي هذه الزيارة الأولى، جرى احتفال كبير، بحضور المشايخ والأعيان، من أبناء الطائفة الدرزية من كل التجمعات الدرزية، وحضر ضيوف من الجيران، ومن المسؤولين، ومن الطوائف الأخرى. وذكرت الصحف التي صدرت آنذاك، عن سخاء الدروز وكرمهم، وعرف العالم في حينه، الدروز على حقيقتهم. واستمرت هذه الزيارات، وتعطلت أحيانا، بسبب الحروب والثورات والمشاكل التي انتابت المنطقة. وكما نعلم، لم يكن السير متوفرا، وكانت صعوبة كبيرة للمواطنين للوصول إلى المقام الشريف. وقد تجددت هذه الزيارات فيما بعد، وانتهج فضيلة المرحوم الشيخ أمين طريف، الرئيس الروحي للطائفة الدرزية في غالبية القرن العشرين، انتهج زيارات مماثلة للمقامات المتواجدة في البلاد. فبالإضافة إلى الزيارة السنوية في مقام سيدنا شعيب عليه السلام في نيسان، نُظمت زيارة لمقام سيدنا سبلان (ع) في حرفيش، وزيارة لمقام سيدنا الخضر (ع) في كفر ياسيف، وعندما فُتحت الطرق مع إخواننا في هضبة الجولان، نظم فضيلة المرحوم الشيخ أمين طريف عام 1968 زيارة لمقام سيدنا اليعفوري في مجدل شمس. وبعد ذلك قام فضيلته بتنظيم زيارات للأماكن المقدسة الدرزية الأخرى في البلاد. وعندما فُتحت الحدود مع إخواننا في لبنان، قام فضيلته بزيارة خلوات البياضة ومقام النبي أيوب عليه السلام وضريح الأمير السيد قدس الله سره، وأماكن أخرى في لبنان. وكذلك قام مشايخ لبنان بزيارة المقامات في بلادنا. ومع الوقت أصبحت هذه الزيارات للمقامات المقدسة جزءا لا يتجزأ من حياتنا، ومن كياننا. وكانت طوال الوقت، هذه الزيارات تُقسم إلى قسميَن: القسم الديني، الذي يقتصر على الصلوات والطقوس الدينية، والذي يقوم به المشايخ كبارا وصغارا، ومن كل القرى، بجد وجهد وفضيلة وتقوى مشكورين، وهو عنصر مهم من هذه الزيارة، وواجب ديني مقدس، وفريضة روحانية من الدرجة الأولى، يؤديها المؤمنون، ونأمل أن يحصلوا عليها كل الثواب. وهذه الطقوس الدينية تجري في الأماكن المقدسة، ولا احد، ولا شيء، ولا أي عنصر، يمكن أن يؤثر عليها. وهي طبعا نواة الزيارة وقلبها النابض، وجوهرها المتين، وفيها كل هدف وغاية. أما القسم الثاني، والذي لا يقل أهمية بتاتا عن القسم الأول، وهو الزيارة الجماهيرية للمقام. ونقصد بذلك كل الوافدين إلى المقام من غير رجال الدين، أو من غير الدروز. وخلال عشرات ومئات السنين، كانت الأماكن الدرزية المقدسة، مفتوحة أمام الجميع، فلا توجد أي جدوى في إقناع المقتنعين، فذلك المواطن الدرزي المؤمن، الذي يواظب على القيام بواجباته الدينية خلال أيام السنة، يشعر بسعادة وغبطة أن يقوم بواجب ديني آخر، هو زيارة المقام، في موعد الزيارة، والمشاركة في الصلاة والابتهالات، وهذا شيء جميل، لكن هدفنا يجب أن يكون دائما، أن نقرّب الأوساط الغير متدينة، إلى السلوك في مذهب التوحيد، أو على الأقل الشعور بهيبة هذا المبدأ، وهذا المذهب، والتقيد بتعاليمه وأخلاقياته، حتى ولو كان الإنسان غير متدين. وفي الزيارات التي تجري في الأماكن المقدسة المختلفة، يسارع للمشاركة، عشرات ومئات من أبناء الطائفة الدرزية غير المتدينين، وهناك يجتمعون برجال الدين، ويرتشفون من أجواء الزيارة، ويشعرون بلذة الإيمان، ويلمسون بعضا من جوانب العقيدة والتفكير والسلوك الديني القويم. وإذا وُجدت الزيارات، فإنها توجد لهذا الغرض، ففي زيارة سيدنا شعيب عليه السلام السنوية، يشترك الآلاف من الشباب غير المتدينين، والطلاب والجنود وغيرهم. لا أحد يجبر هؤلاء على الحضور، وهناك من يقول يمكن أن أذهب إلى البحر في هذا اليوم، أو أسافر إلى إيلات، أو أبقى في البيت، لكنه مع هذا، يتحمل مشقة السفر، لأنه، وأقول ذلك صراحة وعلنا،وأنا متأكد من قولي: مهما كان الإنسان الدرزي"جاهلا" ومهما كان بعيدا عن الطقوس المتبعة عن الدين، فهو في جوهره، وفي داخل نفسه، وفي صميم تفكيره، درزي توحيدي أصيل وعريق، وذو جذور قوية راسخة، لا يزعزعها شيء. والدلالة على ذلك، أن المخالطة التي يتعرض لها شبابنا مع الطوائف الأخرى في بلادنا، والاحتكاك مع الغير، كثيف وغزير وكبير وخطر، ولا يوجد مثله في أي مكان، فمعظم قرانا مختلطة، ومئات الشباب في الجيش، وعشرات منهم في الجامعة، وآلاف يعملون في مصانع ومؤسسات ومرافق اقتصادية، والآلاف يحتكون يوميا في المدينة، وفي المجمعات التجارية الكبرى، وفي المستشفيات، وفي كل مرافق الحياة. ومع كل هذا، كل الذين تركوا قراهم لفترة إما للتعليم، أو للعمل، عادوا وتزوجوا من قراهم. ومع كل هذا التواصل العميق مع الطوائف الأخرى، فالحمد لله، والحمد لله مرة أخرى، أن نسبة الانحراف عندنا ما زالت قليلة
هذه مقاله انقلها لكم ليفهم الجميع انه مهمى حصل تسيب من بعظ افراد الطائفه فما هم الا نقطه سوداء في بحر من الصدق والكرامه والعزه لجميع افراد طائفتنا الكريمه فلا ننظر لشخص او اثنين ونقول الى اي مدى وصلنا بل لنقل انهم لا يستحقو هذه العقيده التي قذفتهم لتبقى ناصعه بيضاء بعيده عن كل شائبه فالشخص باعماله لا يمثل المجتمع بل يمثل نفسه بالطيبات والسيئات النابعة من نفسه................